خطبة عيد النحر
الله أكبر (تسعا نسقا) . الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. الله أكبر كلما أحرموا من الميقات، وكلما لبى الملبون وزيد في الحسنات. الله أكبر كلما دخلوا فجاج مكة آمنين، وكلما طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة ذاكرين مكبرين. الله أكبر كلما وقفوا بعرفة خاضعين مخبتين منيبين مهللين.
الله أكبر كلما وقفوا بالمشعر الحرام طالبين راغبين. الله أكبر كلما رموا الجمرات مكبرين. محلقين رؤوسهم ومقصرين. الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الحمد لله الذي خلق آدم بيده من صلصال كالفخار، وأسجد له ملائكته المقربين الأطهار، فسجدوا إلا إبليس أبى فباء باللعنة والصغار. مسح تعالى ظهر آدم بيده فاستخرج ذريته كالذر ونفذ فيهم الأقدار. قبض قبضة وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي. وقبض قبضة فقال: هؤلاء ولا أبالي إلى النار. لا تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي، بل هو النافع الضار. أحمده سبحانه على نعمه الغزار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توحيدا مقتنى ليوم الحاجة والافتقار، متظاهرا عليه اللسان والجنان بالسر والجهار، مشهودا به لربنا كما شهد به لنفسه وشهدت به ملائكته وأولو العلم من خلقه، لا إله إلا هو العزيز الغفار.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صلى ونحر، وحج واعتمر، وجاهد المنافقين والكفار. اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى، والتمسوا من الأعمال ما يحب ويرضى. واعلموا أن يومكم هذا يوم فضيل، وعيد جليل، رفع الله قدره وأظهر، سماه يوم الحج الأكبر. وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم فقال في خطبته: "أيها الناس اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم ") . وقال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض". وفي هذا اليوم يجتمع الحاج بمنى يستكملون مناسك الحج، ويتقربون إلى الله بالعج والثج، يحيون سنة
أبيهم إبراهيم بإهراق الدماء في هذا اليوم العظيم، فإن الله ابتلاه بأن أمره يذبح ولده، وفلذة كبده، ليسلم قلبه لله، ولا يكون فيه شركة لسواه، فإن العباد لذلك خلقوا، وبه أمروا؛ فامتثل أمر ربه طائعا، وخرج بابنه مسارعا.
وقال: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}، لا متوقفا ولا متفكرا. فاستسلما جميعا للقضاء المحتوم، وسلما أمرهما للحي القيوم. فلما تله للجبين، وأهوى إلى حلقه بالسكين، أدركته رحمة أرحم الراحمين، ونودي: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ}. وأتي بكبش من الجنة فذبحه فداء ولده. فأحيا نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم هذه السنة وعظمها، فأهدى في حجته مائة بدنة، وضحى في المدينة بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عن محمد وآل محمد، والآخر عن أمة محمد. فبادروا رحمكم الله إلى إحياء سنن المصطفين الأخيار، ولا تكونوا ممن بخل وآثر كنْز الدرهم والدينار، على طاعة الملك الغفار. فأكثر العلماء على أنها مستحبة، وبعضهم يرى الوجوب مع اليسار. وأفضلها أكرمها وأسمنها وأغلاها، وتجزي الشاة عن الرجل وأهل بيته، والبدنة عن سبع شياه.
والمجزي من الضأن ما تم له ستة أشهر، ومن الإبل ما تم له خمس سنين، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن المعز ما تم له سنة. ولا تجزي العوراء البين عورها، ولا العرجاء البين ظلعها، ولا المريضة البين مرضها، ولا الهزيلة التي لا تنقي، ولا العضباء التي قطع أكثر أذنها أو قرنها. وتنحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى يطعنها في وهدتها قائلا: بسم الله الله أكبر، اللهم إن هذا منك ولك. ويتلفظ بالنية فيقول عن فلان. وتذبح البقر والغنم على جنبها الأيسر. والسنة جعل الأضاحي أثلاثا: ثلثا لأهله، وثلثا لصديقه، وثلثا للفقراء. ووقت الذبح من انقضاء صلاة العيد إلى آخر اليوم الثالث من أيام التشريق. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَرضي الله عنه لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

























